معهد دولي متخصص في التعليم الأكاديمي والبحث العلمي وتنمية مهارات الدارسين في مجالات الصحة النفسية

أخر المواضيع

كتاب نمو ما بعد الصدمة للدكتور إبراهيم يونس


مقدمة:
      يُحكى أنه فى يوم ما وقع حصان أحد المزارعين في بئر مياه عميقة ولكنها جافة، صُدم الحصان ولم يعد يعرف ماذا يفعل وكيف يخرج من محنته، انتباته مشاعر القلق والتوتر والخوف من المجهول، وشعر بالتهديد والخطر، واستمر هكذا عدة ساعات، حتى جاء المزارع وبدأ يفكر كيف يساعده، لكن الأزمة كانت شديدة، وقف المزارع يفكر كيف يستعيد الحصان؟، ولم يستغرق الأمر طويلاً كي يقنع نفسه بأن الحصان قد وقع في أزمة من الصعب أن يخرج منها وأن تكلفة استخراجه تقترب من تكلفة شراء حصان آخر، هذا إلى جانب أن البئر جافة منذ زمن طويل وتحتاج إلى ردمها بأي شكل.

      وهكذا نادى المزارع جيرانه وطلب منهم مساعدته في ردم البئر كي يحل مشكلتين في آن واحد، التخلص من البئر الجاف ودفن الحصان، وصار الحصان في أزمة، وصار من حوله يصنعون مزيدا من الضغوط عليه، وازداد كربه وشعر بالعجز، ولم يكن يخطر بباله أبدأ أن يصاب هكذا ويقع في هذا المأزق، وبدأ الجميع بالمعاول والجواريف في جمع الأتربة والنفايات وإلقائها في البئر.

       في بادئ الأمر، كان الحصان يعلو صوته بالصهيل الممزوج بالألم، كان هناك من يلقي عليه التراب وكان بعض الأطفال المتعاطفين يلقون إليه ببعض الأعشاب كي يأكلها، ومع تزايد التراب المتراكم على ظهره اندهش الجميع لانقطاع صوت الحصان فجأة، يبدو أنه بدأ يفكر في فعل شيء ومواجهة الواقع الجديد، لقد بدأ يقوم بحركات اهتزازية بسيطة، فكلما سقطت عليه الأتربة يرميها بدوره على الأرض ويرتفع هو بمقدار خطوة واحدة لأعلى، وهكذا استمر يتفاعل مع هذه الضغوط المنهالة عليه من أتربة وحصى ويستفيد منها في النهوض، وبعد الفترة اللازمة لملء البئر اقترب الحصان للأعلى وقفز قفزة بسيطة وصل بها إلى خارج البئر بسلام.

      أدرك الحصان أن الصعوبات يمكن أن يواجهها رغم المعاناة التي بدأ بها، وذهب إلى الأطفال الذين تعاطفوا معه ينظر إليهم نظرات الامتنان، وقد شعر بقوة ظهره التي تحملت الأتربة والحصى، كما شعر بأن الجميع تعلم كيف يمكن للأزمات والضغوط أن تتحول إلى فرص للنهوض والنمو.

     وهكذا حياة البشر لا تخلو من الصعاب والأزمات والصدمات، وعندما يمر الإنسان بصدمة وأزمة متوسطة أو شديدة فإنه يكون أمام ثلاثة اختيارات يمكن أن يقع فيها: أن يتأثر سلبا وتتغير حياته وتتعطل في بعض نواحيها جراء هذه الأزمة ويخرج منها شاعرا بالعجز والضعف والكرب. أو أن يستعيد عافيته وقدرته كما كانت من قبل في غضون بضع أسابيع وشهور، أو أن تصير حياته نتيجة تفاعله مع هذه الأزمة أفضل من ذي قبل وهذا هو الاختيار الثالث، وهنا تتحول الكلمة من "مصائب قوم عند قوم فوائد" إلى "مصائب قوم عند أنفسهم فوائد" وهذا يعني أن ما يجعلنا أقوياء قد يكون التخطيط وقد تكون التجارب والأحداث، ولكن ليس الأحداث وحدها إنما تفاعلنا مع تلك الأحداث وتدافعنا مع تلك الصدمات هو الأهم.
قائمة المحتويات


الموضوع
رقم الصفحة
قائمة المحتويات ......................................................................................................................

مقــدمة...................................................................................................................................

الفصل الأول: نمو ما بعد الصدمة



أولا: مفهوم نمو ما بعد الصدمة

ثانيا: أهمية تعزيز نمو ما بعد الصدمة

ثالثا: نمو ما بعد الصدمة وبعض المفاهيم ذات الصلة

الفصل الثاني: تفسير نمو ما بعد الصدمة

أولا: تفسير النمو من خلال نظرية العجز المكتسب

ثانيا: تفسير النمو من خلال نظرية العلاج بالمعنى لفرانكل

ثالثا: تفسير النمو من خلال نموذج  بولمان 

رابعا: تفسير النمو من خلال نموذج تيدسكي وكالهون

الفصل الثالث: قياس وتعزيز نمو ما بعد الصدمة

أولا: أبعاد نمو ما بعد الصدمة
ثانيا: مقياس نمو ما بعد الصدمة
ثالثا: تعزيز نمو ما بعد الصدمة

الفصل الرابع: الحالة المثالية لنمو ما بعد الصدمة

أولا: مراحل التعافي من الصدمة
ثانيا الرسالة الإنسانية للناجين

الفصل الخامس: جودة الحياة بعد الصدمات

أولا: علم النفس الإيجابي
ثانيا: جودة الحياة
ثالثا: جودة الحياة بعد الصدمات

الفصل السادس: أساليب وفنيات العلاج المعرفي السلوكي متعدد المحاور والأبعاد لعلاج الصدمة وتعزيز نمو ما بعد الصدمة

أولا: فنيات المعالجة المعرفية
ثانيا: الفنيات السلوكية وفنيات التعلم الاجتماعي
رابعا: فنيات العلاج بالمعنى
خامسا:  فنيات علم النفس الإيجابي

الفصل السابع: برنامج إرشادي مقترح لتعزيز نمو ما بعد الصدمة

أولا: مفهوم البرنامج الإرشادي
ثانيا: أهداف البرنامج
ثالثا: الأسس النفسية و الأخلاقية للبرنامج
رابعا: النظريات التي يستند إليها المؤلف في إعداد البرنامج
خامسا: الأدوات التي يعتمد عليها المؤلف في تطبيق البرنامج
سادسا: مخطط جلسات البرنامج الإرشادي
سابعا: جلسات البرنامج الإرشادي

المراجع

أولا: المراجع العربية

ثانيا: المراجع الأجنبية

الملاحق

ملحق رقم (1) دراسة حالة للسرد المترابط ونمو ما بعد الصدمة

ملحق رقم (2) مقياس الترابط السردي بعد الصدمة

ملحق رقم (3) قائمة نمو ما بعد الصدمة

ملحق رقم (4) استمارة المقابلة الإكلينيكية

ملحق رقم (5) أوراق عمل البرنامج


أساليب وفنيات العلاج المعرفي السلوكي متعدد المحاور

والأبعاد لعلاج الصدمة وتعزيز نمو ما بعد الصدمة

    العلاج المعرفي السلوكي هو أحد المداخل الإرشادية والعلاجية الحديثة القائم على أدلة ودراسات عبر ثقافية، وأفكاره مستقاة من تخصصات علم النفس:علم النفس المعرفي، وعلم النفس السلوكي. ولقد ظهر العلاج المعرفي السلوكي لإحداث التكامل بين تيارات متنوعة في العلاج النفسي باتباع مجموعة فاعلة من الفنيات والتكنيكات ذات الفاعلية والتأثير.

     وكلمة معرفي هي نسبة إلى كلمة معرفة أو إدراك، وتعني عددا من العمليات الذهنية التي يتمكن بها المرء من معرفة أو إدراك العالم الخارجي، وأيضا الداخلي له. فهذا النوع من العلاج يعتبر الخلل في جزء من العملية المعرفية وهي الأفكار والمعتقدات والتصورات عن النفس والآخرين والمستقبل والحياة. أما سلوكي فتعني أن ممارسة السلوك الإيجابي تكون بالتكرار والتدريب. والبرنامج المقترح - في الفصل السادس- يعتمد على العلاج المعرفي السلوكي متعدد الأبعاد والمحاور أي الإرشاد والعلاج ذو المنحى الانتقائي والتكاملي حيث يمكن دمج وإضافة مختلف الفنيات بما يخدم فعالية البرنامج ويحقق الهدف مثل فنيات العلاج بالمعنى وفنيات علم النفس الإيجابي.

    وما يميز الإرشاد والعلاج المعرفي هو أنه علاج مباشر تستخدم فيه فنيات وأدوات لها فعالية وتأثير ثبتت في الأبحاث والدراسات لمساعدة الفرد المسترشد في تصحيح أفكاره السلبية وتعديل معتقداته ومخططاته الذهنية الراسخة وما يصاحبها من تغيرات سلبية انفعالية وسلوكية بهدف تحويلها إلى معتقدات يصحبها ضبط انفعالي وسلوكي. وجدير بالباحثين والمختصين أن يطلعوا ويراجعوا الفنيات العلاجية والإرشادية قبل الاستفادة من البرنامج المقترح في الفصل السابع.

ومن أهم المبادي التى يتميز بها العلاج المعرفي ليكون فعالا:

-    أنه يتطلب تحالفا علاجيا سليما أو ما تسمي بالعلاقة العلاجية القائمة علي الاحترام والثقة والتقبل والرعاية والاحترام الحقيقي.

-    علاج له هدف واضح ومتمركز حول مشكلة ما، حيث دائما ما يطلب المعالج من المسترشد أن يحدد المشكلات التي يعاني منها لتصبح تلك المشكلات هدفًا للعلاج مثل: تغير المزاج والعزلة الاجتماعية وإعادة معايشة الخبرة و تدني تقديرالذات أو غيرها.

-    يركز علي الحاضر والمواقف المؤلمة التي يتعرض لها المسترشد ولا يتعرض للماضي إلا فى بعض الحالات منها إذا كان لدى المسترشد رغبة شدديدة للتحدث في الماضي أو حينما لا يؤدي التركيز علي الحاضر إلى حل مشكلات المسترشد أو حينما يري المعالج ضرورة العودة للماضي لفهم كيفية نشأة الأفكار السلبية والمعطلة خصوصا أحداث الطفولة.

-    العلاج المعرفي هو علاج تعليمي في الأساس حيث يهدف الي تعليم المسترشد كيفية تأثير الأفكار علي المشاعر والسلوك (النموذج المعرفي) ويعطيهم معلومات عن المرض ومساره وكيفية تغيير السلوك.

-    العلاج المعرفي محدد بزمن، ويختلف الزمن المستغرق في العلاج من اضطراب إلى آخر، أي أنه ليس علاجا مفتوح النهاية.

    ويشير "ليهي" إلى أن التصور المعرفي لاضطراب كرب ما بعد الصدمة يقوم على أن استجابة الفرد للصدمة، وليس للأحداث الصادمة هو الذي يؤدي إلى زملة اضطراب كرب ما بعد الصدمة. وبالمثل، فإن استجابة الفرد لأعراض اضطراب كرب ما بعد الصدمة هي التي تحدد مسار التحسن أو الشفاء. والمعالجة الناجحة للخوف يمكن أن تقاس من خلال قدرة الشخص على الكلام عن، ورؤية والاستماع إلى، وتذكر الأحداث الانفعالية دون الشعور بالكرب أو التمزق.(روبرت ليهي، 2005: 282-283)
 ... من كتاب نمو ما بعد الصدمة ...
ربما المصطلح المتعارف عليه في قواميس ومراجع علم النفس العلاجي والمرضي هو مصطلح "اضطراب ضغوط (كرب) ما بعد الصدمة" فيه انسجام بين حدوث صدمة وحدوث اضطراب أو ضغوط أو كرب،
أما الجمع بين حدوث الصدمة وحدوث النمو ربما يكون مثار تساؤل وتحقق ونقاش. فهل يمكن أن يكون هناك نمو وازدهار بعد الصدمات؟ وهل هذا يستغرق وقتا؟ وهل هذا يكون لكل الناس المعرضين للصدمات؟ كل هذه أسئلة تستحق التفكير والبحث والنقاش.... إلا أن كون إمكانية حدوث النمو بعد الأزمة أو الصدمة فهذا كان وكائن وسيكون دائما أبدا لأنه يتفق مع فلسفة وإستراتيجية الأمل التي أمرنا الله بها، وإرادة الإنسان وهو خليفة الله في الأرض، والنماذج التاريخية في الحياة تمثل وتعبر عن هذه الحقيقة سواء حدوث النمو على مستوى الأفراد أو على مستوى الجماعات والدول.
إن المثال البسيط من الطبيعة عندما تجد النبتة الخضراء تنمو وتزدهر بينما جذورها ضاربة في الأرض حتى جعلتها تتصدع وتتشقق، فرغم هذا الصدع فالنمو يأخذ مجراه. 


ليست هناك تعليقات